كيف نشأت الحدائق وتطورت عبر التاريخ

كيف نشأت الحدائق وتطورت عبر التاريخ

85

مرت الحدائق بمراحل متعددة من التطور فلم تكن الحدائق من قبل كما نراها اليوم بالوضع الحالي، عندما نبحث كيف نشأت الحدائق فنجد أن القدماء المصريين أول من عرفوا الحدائق كوحدة هندسية منظمة أقيمت على أسس تنسيقية محددة وإستجلبت لها النباتات من بيئات أخري.

وانتقلت فكرة إنشاء الحدائق من القدماء المصريين إلى الآشوريين والبابليين ثم إلى الفرس فالرومان والإغريق الذين طوروا نظام الحدائق عمن سبقوهم، ثم ظهرت الحدائق الصينية واليابانية فالأندلسية بطرازها الإسلامي المعهود، وجاءت من بعدهم الحدائق الفرنسية والإنجليزية والإيطالية بأشكالها المختلفة.

وأخذت الحدائق تتطور بشكل سريع ومتلاحق وتزداد أشكالها وأهميتها وتتطور معها فنون التصميم والتنسيق إلى أن وصلنا للإتجاه الحديث الذي جمع بين التنسيق الطبيعي والتصميم الهندسي.

مراحل تطول الحدائق عبر التاريخ

مراحل تطور الحدائق عبر التاريخ

فيما يلي نستعرض أهم وأبرز أنواع الحدائق التي نشأت منذ القدم وحتى الاتجاه الحديث في تصميم وتنسيق الحدائق:

1. الحدائق الفرعونية

أنشأ القدماء المصريون في عصر تحتمس الثالث وحتشبسوت الحدائق لأغراض دينية بحتة بهدف تجميل المعابد وزيادة أهميتها، وقد تميزت الحدائق في عهد الفراعنة بالآتي:

  • الطابع الهندسي المتناظر والقائم على الخطوط المستقية.
  • الحديقة مكشوفة يتوسطها حوض ماء مستطيل الشكل يتزين بنباتات اللوتس وبعض الأسماك ويحيط بها من الخارج صفوف من أشجار الجميز والتين وتليها الأشجار العالية من نخيل الدوم والبلح.
  • التوزيع المنتظم لتماثيل الآلهة بالحديقة.
  • قص وتقليم الأشجار وتشكيلها هندسياً كما أوضحت النقوش على جدران معابدهم، كما أنهم أستخدموا نباتات الليليم والنرجس والعنب الزيتون والرمان واللوز والمشمش والجميز في تشكيل الحديقة.
  • التزيين الداخلي للحديقة بالزهور هي من التطبيقات المتبعة في العصر الحديث والتي يرجع الفضل فيها للفراعنة، كما أنهم زينوا أعمدة المعابد بأشكال الزهور وأوراق النخيل بالحفر عليها، ورسموا مناظر الحدائق على جدران وأرضية المعابد والبيوت.

نماذج الحدائق الفرعونية في مصر

  • حديقة ميدان رمسيس (سابقا).
  • حديقة مور.
  • حديقة النهر بأرض الجزيرة.

2. الحدائق الآشورية والبابلية

نشأت هذه الحدائق في منطقة ما بين نهري دجلة والفرات، وأخذوا عن الفراعنة النظام الهندسي المتناظر في تصميم حدائقهم فأقاموها في مستويات منتظمة (على هيئة مصاطب) ومتدرجة من 6 مستويات أو أكثر يوجد بأعلاها قصر الملك أو الأمير أو برجولا فخمة تطل على الحديقة.

وقد أنشأوا هذا الطراز من الحدائق نظراً لقلة الأمطار في بلادهم، فقسموا سفوح الجبال إلى مصاطب مستوية الواحدة تعلوا الأخرى كدرجات السلم حتة يسهل ريها، وأقاموا الأعدمة على حوافها الخارجية، ووضعوا الفسقيات أسفل المصاطب ليتدفق إلها الماء في صورة شلال، وأحاطوا الحديقة بأشجار السور والحور والرمان والجوز ونباتات القرنفل والإيرس والنبفسنج والورد وشقائق النعمان.

ومن أشهر نماذج الحدائق لذلك العصر حدائق بابل المعلقة والتي تعتبر أحد عجائب الدنيا السبع.

مراحل تطور الحدائق عبر التاريخ

3. الحدائق الفارسية

بعد غزو الفرس للآشوريين نقلوا عنهم نظام الحدائق الهندسية المتناظرة وطوروها حتى تميزت بالآتي:

  • الحديقة مربعة الشكل ويقسمها طريقان متعامدان إلى أربعة أجزاء متناظرة، ويوجد بئر ماء مستدير في وسط الحديقة أو برجولا يتسلق عليها نبات الورد والعنب، ويمتد بطول الطريقين المتعامدين مجرى مائي تحيط به الأشجار العالية من الجانبين.
  • استخدام التمائيل كعنصر جمالي في الحديقة.
  • تقسيم الحدائق إلى (حدائق الزينة) و (حدائق الخضر والفاكهة)، وزرعوا الأزهار في مجموعات متقاربة ليبرز كل نوع جمال الآخر.
  • ابتكروا ما يُعرف بالحدائق المائية وحدائق الجدران والحدائق الغاطسة.
  • نقشوا الحدائق على سجاجيدهم لتكون داخل القصور في فصل الشتاء الذي يضفول بثلجه على الحدائق.

4. الحدائق الهندية

اهتم الهندود بتصميم الروحانيات في حدائقهم (مثل تعاليم بوذا)، وكانت الحديقة مزيج بين التصميمات الفرعونية والفارسية، فأقاموا الفساقي وبرك المياه وبطنوا أراضيها بالجرانيت الأسود والذي جعلها تظهر كامرآه التي تعكس صورة القصور والمباني فبتعث في النفس شيء من الإجلال والرهبة.

واهتم الطراز الهندي بالتصميم المعماري على حساب النباتات والأشجار فاتصروا على استخدام بعض أنواع المخروطيات لانتظام شكلها وبعض العشبيات المزهرة.

ومن أشهر الحدائق الهندية حديقة تاج محل.

5. الحدائق الرومانية

ظهرت الحدائق الرومانية بعد غز الإسكندر الأكبر لبلاد الشرق وتميزت تلك الحدائق بكثرة المنشآت المعمارية والتماثيل والنافورات على حساب النباتات كما فعل الهنود، كما إنتشرت أماكن الجلوس وزرعوا الأشجار في أصص كبيرة من الخزف المزخرف خاصة أشجار السرو والصنوبر والزيتون.

وبدأت حدائق الميادين والحدائق العامة تظهر لأول مرة لأفراد الشعب بعد أن كانت الحدائق قاصرة على قصور الملوك والأغنياء فقط.

6. الحدائق العربية في الأندلس

تمثلت التصميمات في بداية العصر الإسلامي في بعض أشجار النخيل المزروعة حول منابع المياه في الواحة أو البادية، وبعد إتساع الفتوحات الإسلامية بدأ العرب يهتمون بحدائقهم خاصة في بلاد الأندلس، حيث كانت الطبيعة الساحرة ووفرة المياه وكثرة المال مما ساعدهم على الإبداع، وتميز هذا الطراز بما يلي:

  • إقامة الحدائق على الطراز الهندسي المتناظر والذي يكثر فيه الأشكال الهندسية المربعة والمستطيلة على طرق متعامدة تعلوها التكاعيب ويكسو أرضيتها البلاط القيشاني الملون.
  • إقامة الحدائق في قناء القصر أو المنزل فتحيط بها حجراته وتطل عليها نوافذه بهدف زيادة الاستمتاع بالحديقة وإعطاء الأسرة فرصة الحماية من شرور الغزوات المعادية، وتوفير الخلوة والعزلة عن أعين المتطفلين، فكانت أشبه بالدهاليز أو المنور وسط المنزل تحيط بها أسوار عالية ذات باب رئيسي واحد مع زراعة الأشجار العالية حول الأسوار لحجب المناظر الداخلية.
  • رصف طرقات الحديقة بالقيشاني، وزخرفة أحواض المياة والنافورات وأماكن الجلوس بالقيشاني الملون، واستخدام الأعمدة الرخامية ذات الأقواس العالية. وكان حوض الماء المستطيل من أهم أوجه الحديقة وكثرة النافورات وبرك المياة التي مُنعوا عنها في حياة البادية والصحراء.
  • ظهور فن النحت والرسم على الخشب وكثرة استخدام النباتات العطرية والألوان الزاهية وزراعة أشجار الفاكهة ونباتات الزينة في إصص مزخرفة.
  • إنشأء الحدائق في المناطق الغير مستوية على هيئة مصاطب وإقامة الشرفات المتسعة في الأرض مستوية وربطوا فيما بينها بسلالم مزخرفة بالقيشاني الملون.

7. الحدائق اليابانية

ظهرت الحدائق اليابانية في عصر الإمبراطور “سويكو”، وهي حدائق طبيعية في خطوطها وجميع عناصرها، وظهر هذا الطراز في ( كوريا والصين واليابان ) وهو لم يُقتبس من أي طراز سابق فاعتبروا فيه الحديقة مكان مقدس للعبادة وليست فقط للزينة والتمتع بالمناظر الجميلة.

وتعتمد الفكرة العامة في هذا تصميم الطراز على إقامة بحيرات طبيعية تعلوها كباري خشبية أو من الحجارة وحول البحيرة تلال تُزرع بالأشجار والشجيرات مزودة بأماكن للجلوس.

وفي وسط البحيرة أنشأوا بعض الجزر التي يمكن الوصول إليها عبر الكبارى وزرعوا شجرة كبيرة متهدلة (مثل الصفصاف) في وسط الجزيرة.

صُممت الطرق في هذه الحديقة منحنية الشكل ومرصوفة بالحجارة المسطحة، وکثرت زراعة الأشجار مستديمة الخضرة المزهرة بشكل متتابع لتعطى إزهار شبه دائم على مدار السنة، كما تميزت الحدائق اليابانية بعدم وجود مسطحات خضراء حيث استبدلوها بالرمل والحجارة .

8. الحدائق الإيطالية

بدأت النهضة الإيطالية في مطلع القرن الخامس عشر والتي اعتنت بإحياء التراث الروماني والإغريقي القديم فأقاموا الحدائق على غرار هذه الطرز كما تميزت حدائقهم بالآتي:

  • سيادة التصميم العمارة على التنسيق بالنباتات وكثرت المباني والتماثيل والنافورات والمقاعد والأواني الحجرية، ورُصفت الطرق بالحصى الملون.
  • إنشاء الحدائق على التلال المرتفعة وسفوح الجبال في تصميم هندسي متناظر مكون من عدة شرفات بنوا حتها أسوار لتقويتها وتدعيمها وحمايتها من السقوط.
  • السماح بوجود فجوات بين الأشجار حتى يستطيع النظر أن يتعداها إلى ما حولها وذلك للإستفادة من المناظر الطبيعية الموجودة حول الحديقة.
  • إدخال الحيوانات المفترسة وأقفاص الطيور النادرة في الحدائق لأول مرة، ومنها ظهرت حدائق الحيوان المنتشرة الآن في جميع أنحاء العالم.

9. الحدائق الفرنسية

ظهرت الحدائق الفرنسية في أواخر القرن الخامس عشر ونقلوا الطرز الهندسية الفرعونية والآشورية والهندية إلى حدائق فرساي الشهيرة والتي اعتمدت في تصاميمها على الخطوط المستقيمة وسيادة التماثيل والنافورات والمياه ووجود مستويات مختلفة بالحديقة.

وأدخل لينوتر بعض الأفكار الخداعية الجديدة في تصميم الحدائق لتعطي إحساس بالاتسعا الظاهري، وذلك عن طريق:

  • عدم إنشاء أسوار للحديقة للاستفادة مكن المناظر الطبيعية الموجودة حولها.
  • تضييق عرض الطرق والتدرج أو الزيادة في البُعد.
  • زراعة أشجار متدرجة الأطوال على جوانب الطرقات والمشايات فتوضع أطولها في البداية وأقصرها في أبعد نقطة، واختلاف مسافات الزراعة فيما بينها لتضيق تدريجياً مع زيادة البُعد.
مراحل تطور الحدائق عبر التاريخ

10. الحدائق الإنجليزية

ظهرت الحدائق الانجليزية في عهد الملك هنري الثامن وابتدعها المصمم الإنجليزي المشهور تيودور وسُمي الطراز بإسمه “الطراز التيودوری”

اعتمد هذا التصميم على الطراز الهندسي المتناظر الذي ساد فيه عنصر تشكيل الأشجار في هيئة أشكال هندسية منتظمة والطرق والمشايات المستقيمة المظللة بالبرجولات والنباتات المتسلقة.

وقسموا الحديقة إلى أجزاء معزولة عن بعضها بأسيجة مقصوصة ذات أشكال رائعة فاحتوت الحديقة على مناطق مستقلة للورد والأسماك والنباتات الشوكية والعصارية.

وبعد أن سئم الناس من الطرز الهندسية المنتظمة التي تعتمد كليةً على الأفكار القديمة بدأ بعض المصممين في الرجوع مرة أخرى إلى مضاهاة الطبيعة، فظهرت الحدائق الطبيعية التي يحاكي فيها الإنسان مايراه حوله من مناظر طبيعية خلابة أبدعها الخالق سبحانه وتعالى.

والاتجاه الحديث الآن في تصميم وتنسيق الحدائق يميل إلى النظام الطبيعي في معظم أجزائه مع مراعاة الانتظام والتناظر الهندسي في توزيع الوجوه النباتية والمعمارية بإطار مترابط يوفر البساطة والذوق السليم والانتفاع بظروف وامكانيات المكان الذي يتم تنسيقه.